الباب الرابع والعشرون بعد المائة في تكبر إبليس عن السجود لآدم ووسوسته له حتى أكل من الشجرة
قال ابن جرير اختلف السلف من الصحابة والتابعين في السبب الذي سولت له نفسه من أجله الاستكبار فروى عن ابن عباس في ذلك أقوال
أحدها ما رواه الضحاك أن إبليس لما قتل الجن الذين عصوا الله وأفسدوا في الأرض وشردهم أعجبته نفسه ورأى في نفسه أن له من الفضيلة ما ليس لغيره
والقول الثاني من الأقوال المروية عن ابن عباس أنه كان ملك السماء وسائسها وسائس ما بينها وبين الأرض وخازن الجنة مع اجتهاده في العبادة فأعجب بنفسه ورأى أن له بذلك فضلا فاستكبر على ربه حدثنا موسى بن هارون حدثنا عمر بن حماد حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود عن أناس من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا وكان من قبيلة يقال لها الجن وإنما سموا الجن لانهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره كبر وقال ما أعطاني الله تعالى على هذا الأمر إلا لمزية هكذا حدثني موسى بن هارون وحد ثني به أحمد عن خيثمة عن عمرو بن حماد وقال لمزية لي على الملائكة فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك منه فقال الله للملائكة “ إني جاعل في الأرض خليفة “
والقول الثالث من الأقوال عن ابن عباس أنه كان يقول السبب في ذلك أنه كان من بقايا خلق خلقهم الله فأمرهم الله بأمر فأبوا طاعته حدثني محمد بن سنان حدثنا أبو عاصم عن شريك عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس قال إن الله تعالى خلق خلقا فقال “ اسجدوا لآدم “ فقالوا لا نفعل فبعث الله عليهم نارا تحرقهم ثم خلق خلقا آخر فقال “ إني خالق بشرا من طين “ فاسجدوا لآدم قال فأبوا فبعث الله تعالى عليهم نارا فأحرقتهم قال ثم خلق هؤلاء فقال “ اسجدوا لآدم “ قالوا نعم وكان إبليس من أولئك الذين أوا أن يسجدوا لآدم قال أبو الفداء اسماعيل ابن كثير هذا غريب ولا يكاد يصح إسناده فإن فيه رجلا متهما ومثله لا يحتج به والله أعلم
وقال آخرون بل السبب أنه كان من بقايا الجن الذين كانوا في الأرض فسفكوا الدماء فيها وأفسدوا وعصوا ربهم فقاتلتهم الملائكة حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح حدثنا أبو سعيد اليحمدي إسماعيل ابن إبراهيم حدثنا سوار بن أبي الجعد عن شهر بن حوشب قوله كان من الجن قال كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء حدثني علي بن الحسين حدثنا أبو نصر أحمد ابن محمد الخلال حدثنا سهيل بن داود حدثنا هشيم أنبأنا عبد الرحمن ابن يحيى عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد عن سعد بن مسعود قال كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس وكان صغيرا وكان مع الملائكة فتعبد معها فلما أمروا أن يسجدوا لآدم سجدوا وأبى إبليس فلذلك قال الله تعالى “ إلا إبليس كان من الجن “ قال أبو جعفر وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله تعالى “ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن “ ففسق عن أمر ربه وجائز أن يكون فسوقه عن أمر ربه كان من أجل أنه كان من الجن وجائز أن يكون من أجل إعجابه بنفسه لشدة اجتهاده في عبادة ربه وكثرة علمه وما كان أوتي من ملك سماء الدنيا والأرض وخزن الجنان وجائز أن يكون كان ذلك لأمر من الأمور ولا يدرك علم ذلك إلا بخبر تقوم به الحجة ولا خبر بذلك عندنا والاختلاف في أمره ما حكيناه ورويناه
وقد قيل إن سبب هلاكه كان من أجل أن الأرض كان فيها من قبل آدم الجن فبعث الله تعالى إبليس قاضيا يقضي بينهم فلم يزل يقضي بينهم بالحق ألف سنة حتى سمي حكما وسماه الله به وأوحى إليه اسمه فعند ذلك دخله الكبر فتعظم وتكبر وألقى بين الذين كان الله بعثه اليهم حكما البأس والعداوة والبغضاء فاقتتلوا عند ذلك في الأرض ألفي سنة فيما زعموا حتى أن خيولهم تخوض في دمائهم قالوا فذلك قول الله “ أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد “ وقول الملائكة “ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء “ فبعث الله تعالى عند ذلك نارا فأحرقتهم قالوا فلما رأى إبليس ما نزل بقومه من العذاب عرج إلى السماء فأقام عند الملائكة يعبد الله تعالى في السماء مجتهدا لم يعبده شيء من خلقه مثل عبادته فلم يزل مجتهدا في العبادة حتى خلق الله تعالى آدم فكان من أمره ومعصيته ربه ما كان فلما أراد الله تعالى إطلاع الملائكة على ما قد علم من انطواء إبليس على الكبر وإظهار أمره لهم حين دنا أمره للبوار وملكه وسلطانه للزوال قال “ إني جاعل في الأرض خليفة “ فأجابوه “ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء “
روى عن ابن عباس أن الملائكة قالت ذلك لما كانوا عهدوا من أمر إبليس وأمر الجن الذين كانوا فيها فكانوا يسفكون الدماء فيها ويفسدون في الأرض ويعصونك “ ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك “ فقال “ إني أعلم ما لا تعلمون “ من انطواء إبليس على التكبر وعزمه على خلاف أمري وتسويل نفسه له بالباطل واعتزازه وأنا مبد ذلك لكم لتروا ذلك منه عيانا
حدثنا موسى بن هارون بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قالت الملائكة ما قالت وقال الله تعالى “ إني أعلم ما لا تعلمون “ يعني من شأن إبليس فبعث الله جبريل عليه الصلاة والسلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض إني أعوذ بالله منك أن تقبض مني أو تشينني فرجع فلم يأخذ منها شيئا وقال يا رب إنها عاذت فأعذتها فبعث الله تعالى ميكائيل فعاذت منه فأعاذها فرجع فقال كما قال جبريل عليه الصلاة والسلام فبعث اليها ملك الموت فعاذت منه فقال وأعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره فأخذ من وجه الأرض وخلط فلم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ولذلك خرج بنو آدم مختلفين فصعد به قبل التراب حتى عاد طينا لازبا واللازب الذي يلتزق بعضه ببعض ثم ترك حتى تغير وأنتن وذلك حين يقول حمأ مسنون قال منتن حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب العمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال بعث رب العزة إبليس فأخذ من آديم الأرض من عذبها وملحها فخلق منه آدم ومن ثم سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض ومن ثم قال إبليس “ أأسجد لمن خلقت طينا “ أي هذه الطينة أنا جئت بها حدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال أمر الله تعالى بتربة آدم فرفعت فخلق آدم من طين لازب من حمأ مسنون قال وإنما كان مسنونا بعد التراب قال فخلق منه آدم بيده فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل أي يصوت قال فهو قوله تعالى “ من صلصال كالفخار “ يقول كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت قال ثم يدخل من فيه ويخرج من دبره ويدخل من دبره ويخرج من فيه ثم يقول لست شيئا للصلصلة ولشيء ما خلقت ولئن سلطت عليك لأهلكتك ولئن سلطت على لأعصينك.
حدثنا موسى بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى للملائكة “ إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين “ فخلقه تعالى بيده لكيلا يتكبر إبليس عنه ليقول أتتكبر عما عملت بيدي ولم أتكبر أنا عنه فخلقته بشرا فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه وكان أشدهم منه فزعا إبليس فكان يمر به فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة فذلك حين يقول “ من صلصال كالفخار “ ويقول لأمر ما خلقت ودخل فيه وخرج من دبره فقال للملائكة لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف ولئن سلطت عليه لأهلكنه.
حدثنا موسى بن هارون بسنده قالوا فلما بلغ آدم الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس فقالت الملائكة قل الحمد لله فقال الحمد لله فقال الله يرحمك ربك يا آدم فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخل إلى جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول “ خلق الإنسان من عجل “ فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين قال الله تعالى “ ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك “ قال “ أنا خير منه “ لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين قال الله عز وجل له “ اخرج منها “ فما يكون لك أن تتكبر فيها يعني فما ينبغي لك أن تتكبر فيها “ فاخرج إنك من الصاغرين “
ولبعض هذا السياق وما قبله من حديث السدي شاهد من الأحاديث وإن كان كثير منه متلقى من الإسرائيليات وقوله تعالى لإبليس اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها وقوله “ اخرج منها “ دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها والخروج من المنزلة والمكانة التي كان نالها بعبادته وتشبهه بالملائكة ثم سلب ذلك فاهبط إلى الأرض مذموما مدحورا
قال ابن جرير حدثنا كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر ابن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال فلما نفخ الله تعالى فيه يعني في آدم من روحه أتت النفخة من قبل رأسه فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحما فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من حسنه فذهب لينهض فلم يقدر فهو قول الله تعالى “ خلق الإنسان من عجل “ وقوله تعالى “ وكان الإنسان عجولا “ قال ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء قال فلما نمت النفخة في جسده عطس.
فقال الحمد لله رب العالمين بإلهام الله له فقال الله تعالى له يرحمك الله تعالى يا آدم قال ثم قال للملائكة الذين كانوا من إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات “ اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر “ لما كان حدث به نفسه من كبره واغتراره فقال لا أسجد له وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا “ خلقتني من نار وخلقته من طين “ يقول إن النار أقوى من الطين قال فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله أي أيأسه من الخير كله وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته وهذا الذي ذكره ابن جرير فيه انقطاع وفي السياق نكارة وقد رجحه بعض المتأخرين والجمهور على أن المراد بالملائكة المأمورين بالسجود جميع الملائكة لا الملائكة الذين كانوا في الأرض مع إبليس وهو الذي دل عليه عموم الآيات وهو الذي يظهر من السياقات ويدل عليه الحديث وقوله وأسجد لك ملائكته وهذا عموم أيضا.
قال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن محمد بن اسحاق قال فيقال والله اعلم أنه لما انتهى الروح إلى رأسه عطس فقال الحمد لله فقال له ربه يرحمك ربك ووقع الملائكة حين استوى سجودا له حفظا لعهد الله الذي عهد اليهم وطاعة لأمره الذي أمرهم به وقام عدو الله إبليس فلم يسجد متكبرا متعظما بغيا وحسدا فقال له يا إبليس “ ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي “ إلى قوله “ لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين “ قال فلما فرغ الله تعالى من إبليس ومعاتبته وأبى إلا المعصية أوقع عليه اللعنة وأخرجه من الجنة قال الله تعالى “ فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين “ استحق هذا من الله تعالى لأنه استلزم تنقصة لآدم وازدراءه به وترفعه عليه مخالفة الأمر الإلهي ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين وشرع في الاعتذار بما لا يجدي عنه شيئا فكان اعتذاره أشد من ذنبه كما قال تعالى في سورة الإسراء “ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم “ إلى قوله “ وكفى بربك وكيلا “ قال ابن جرير حدثنا موسى بن هارون بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لما خرج إبليس من الجنة حين لعن وأسكن آدم الجنة فكان يمشي فيها وحشيا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله تعالى من ضلعه فسألها ما انت فقالت امرأة قال ولم خلقت قالت لتسكن إليى قالت له الملائكة ينظرون ما مبلغ علمه ما اسمها قال حواء قالوا لم سميت حواء قال لأنها خلقت من شيء حي قال الله عز وجل “ يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما “
وهذا الذي ساقه ابن جرير من حديث موسى بن هارون منتزع من نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب وسياق الآيات وظاهرها يقتضى أن خلق حواء كان قبل دخول آدم عليه السلام إلى الجنة كقوله “ يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة “ وهذا قد صرح به ابن اسحاق وذكر ابن اسحاق عن ابن عباس ان حواء خلقت من ضلعه الأقصر وهو نائم ولثم مكانه لحم ومصداق هذا في قوله تعالى “ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها “ وقوله تعالى “ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها “ قال ابن جرير لما أسكن الله تعالى آدم وزوجه جنته أطلق الله لهما تبارك اسمه أن يأكلا كل ما شاء أكله من كل ما فيها من ثمارها غير ثمرة شجرة واحدة ابتلاء منه لهما بذلك وليمضي قضاء الله فيهما وفي ذريتهما كما قال تعالى “ ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما “ أكل ما نهاهما ربها عن أكله من ثمر تلك الشجرة وحسن لهما حتى أكلا منها فبدا لهما من سوآتهما ما كان توارى عنهما منها وكان وصول عدو الله إبليس إلى تزيين ذلك ما ذكر في الخبر الذي حدثني موسى بن هارون حدثنا عمرو بن حماد حدثنا اسباط عن السدي في خبر ذكره عن ابي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن اناس من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لما قال الله تعالى لآدم “ اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين “
أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنة فمنعته الخزنة فأتى الحية هي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير وهي كأحسن الدواب فكلمها أن تدخله في فمها حتى يدخل إلى آدم فأدخلته في فمها فمرت الحية على الخزنة فدخلت وهم لا يعلمون ما أراد الله تعالى من الامر فكلمه من فمها فلم ينل كلامه فخرج إليه فقال “ يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى “ يقول هل أدلك على شجرة إذا أكلت منها كنت ملكا وتكون من الخالدين فلا تموت أبدا وحلف لهما بالله “ إني لكما لمن الناصحين “ وإنما أراد بذلك ليبدي لهما ما توارى عنهما من سوآتهما يهتك لباسهما وكان قد علم أن لهما سوآت لما كان يقرأ من كتاب الملائكة ولم يكن آدم يعلم ذلك وكان لباسهما الظفر فأبى آدم أن يأكل منها فتقدمت حواء فأكلت منها ثم قالت يا آدم كل فإني قد أكلت فلم يضرني فلما أكل آدم بدت لهما سوآتهما فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة طفقا أقبلا أي جعلا يلصقان عليهما من ورق التين حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن ابن اسحاق عن ليث بن أبي سليم عن طاوس اليماني عن ابن عباس قال إن عدو الله إبليس عرضه نفسه على دواب الارض أيها يحمله حتى يدخل به معه حتى يكلم آدم وزوجته فكل الدواب أبى ذلك عليه حتى كلم الحية فقال لها امنعك من بني آدم فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني الجنة فجعلته بين نابين من أنيابها ثم دخلت به فكلمهما من فيها وكانت كاسية تمشي على أربع قوائم فأعراها الله تعالى وجعلها تمشي على بطنها قال يقول ابن عباس اقتلوها حيث وجدتموها اخفروا ذمة عدو الله تعالى فيها قال ابن جرير حدثت عن عمار بن الحسن حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال حدثني محدث أن الشيطان دخل الجنة في صورة دابة ذات قوائم فكان يرى أنه البعير قال فلعن فسقطت قوائمه فصار حية قال الربيع وحدثني أبو العالية أن من الإبل ما كان ولها من الجن
حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثنا محمد بن اسحاق عن بعض أهل العلم أن آدم حين دخل الجنة ورأى ما فيها من الكرامة وما اعطاه الله منها قال لو أن لي خلدا فيها فاغتنم منه إبليس لما سمعها منه فأتاه من قبل الخلد قال ابن اسحاق حدثت أن أول ما ابتدأهما به من كيده إياهما أنه ناح عليهما نياحة حزنتهما حين سمعاها فقالا له ما يبكيك قال أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة فوقع ذلك في أنفسهما ثم أتاهما فوسوس إليهما فقال “ يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى “ “ وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين “ أي تكونا ملكين أو تخلدان إن لم تكونا ملكين في نعمة الجنة فلا تموتان قال الله تعالى “ فدلاهما بغرور “ قا ل ابن جرير حدثني يونس أنبأنا ابن وهب قال قال أبو زيد وسوس الشيطان إلى حواء في شجرة حتى أتى بها إليها ثم حسنها في عينها ثم حسنها في عين آدم قال فدعاها آدم لحاجة قالت لا إلا أن تأتي ههنا فلما أتى قالت لا إلا أن تأكل من هذه الشجرة فأكل منها فبدت لهما سوآتهما قال وذهب آدم هاربا في الجنة فناداه ربه يا آدم مني تفر قال لا يا رب ولكن حياء منك قال يا آدم أني أتيت قال من قبل حواء يا رب فقال تعالى فإن لها على أن أدميها في كل شهر مرة وأن أجعلها سفيهة فقد كنت خلقتها حليمة وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها فقد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا قال أبو زيد ولولا البلية التي أصابت حواء لكان نساء الدنيا لا يحضن وكن حليمات وكن يحملن يسرا ويضعن يسرا فلما أكل آدم وحواء من الشجرة أخرجهما الله من الجنة وسلبهما كل ماكانا فيه من النعمة والكرامة وأهبطهما وعدويهما إبليس والحية فقال تعالى “ اهبطوا بعضكم لبعض عدو “ وهذا قول ابن عباس وابن مسعود في آخرين من الصحابة وغيرهم من التابعين في قوله تعالى “ اهبطوا بعضكم لبعض عدو “ لآدم وحواء وإبليس والحية قال ابن مسعود وابن عباس وأناس من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلعن الحية وقطع قوائمها وتركها تمشي على بطنها وجعل رزقها في التراب
الاختلاف على جنة آدم
فصل اختلف المفسرون في الجنة التي ادخلها آدم هل هي في السماء أو في الأرض وإذا كانت في السماء هل هي جنة الخلد أو جنة أخرى فالجمهور على أنها هي التي في السماء وهي جنة المأوى لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى “ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة “ والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي وإنما تعود على معهود ذهني وهو المستقر شرعا من جنة المأوى وكقول موسى لآدم عليهما الصلاة والسلام اخرجتنا ونفسك من الجنة وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشجعي واسمه سعد بن طارق عن أبي حازم سلمة بن دينار عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل اخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ورواه مسلم أيضا من حديث أبي مالك عن ربعي عن حذيفة وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى وقال آخرون بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد لأنه كلف فيها أن لا يأكل من تلك الشجرة ولأنه نام فيها وأخرج منها ودخل عليه إبليس فيها وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى وهذا القول محكي عن أبي بن كعب وعبد الله بن عباس ووهب ابن منبه وسفيان بن عيينة واختاره ابن قتيبة في المعارف والقاضي منذر ابن سعيد البلوطي في تفسيره وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي عن أبي القاسم وأبي مسلم الأصبهاني ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية وحكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في الملل والنحل وأبو محمد بن عطية في تفسيره وأبو عيسى الرماني في تفسيره وحكى عن الجمهور الأول وأبو القاسم الراغب والقاضي الماوردي في تفسيره فقال واختلف في الجنة التي أسكنها يعني آدم وحواء على قولين أحدهما إنها جنة الخلد والثاني أنها جنة أعدها الله تعالى لهما وجعلها دار ابتلاء وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء ومن قال بهذا القول اختلفوا على قولين أحدهما إنها في السماء لأنه أهبطهما منها وهذا قول الحسن والثاني أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار وهذا قول ابن يحيى وكان ذلك بعد أمر إبليس بالسجود لآدم والله أعلم بصواب ذلك هذا كلامه فقد تضمن كلامه حكاية ثلاثة أقوال وكلامه مشعر بالوقوف ولهذا حكى الرازي في تفسيره أربعة أقوال وجعل الوقف هو الرابع وحكى القول بأنها في السماء وليست جنة المأوى عن أبي علي الجبائي وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالا يحتاج مثله إلى جواب فقالوا لا شك أن الله تعالى طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية وأمره بالخروج عنها والهبوط منها وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية بحيث يمكنه مخالفته وإنما هو أمر قدري لا يخالف ولا يمانع ولهذا قال “ فاخرج منها فإنك رجيم “ والضمير عائد إلى الجنة أو السماء أو المنزلة وأيا ما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدرا في المكان الذي طرد عنه وأبعد منه لا على سبيل الاستقرار ولا على المرور والاجتياز قالوا ومعلوم من سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله “ هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى “ وبقوله “ ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة “ إلى قوله “ بغرور “ وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما وأجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور لا على سبيل الاستقرار بها أو أنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء وفي الثالثة نظر والله أعلم ومما احتج به أصحاب هذه المقالة ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في الزيادات عن هدبة ابن خالد عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن البصري عن يحيى بن ضمرة عن أبي بن كعب قال إن آدم لما احتضر اشتهى قطفا من عنب الجنة فانطلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الملائكة فقالوا أين تريدون يا بني آدم فقالوا إنا أبانا اشتهى قطفا من عنب الجنة فقالوا لهم ارجعوا فقد كفيتموه فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل عليه الصلاة والسلام والملائكة وبنوه خلف الملائكة ودفنوه وقالوا هذه سنتكم في موتاكم قالوا فلولا أن الوصول إلى الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف ممكنا لما ذهبوا يتطلبون ذلك فدل على أنها في الأرض لا في السماء والله أعلم قالوا والاحتجاج بأن الألف واللام في قوله “ اسكن أنت وزوجك الجنة “ لم يتقدم معهود يعود عليه فهو المعهود الذهني مسلم ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام فإن آدم عليه الصلاة والسلام خلق من الأرض ولم ينقل أنه رفع إلى السماء وخلق ليكون في الأرض وبها أعلم الرب سبحانه الملائكة حيث قال تعالى “ إني جاعل في الأرض خليفة “ قالوا وهذا كقوله تعالى “ إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة “ فالألف واللام ليست للعموم ولم يتقدم معهود لفظي وانما هو المعهود الذهني الذي دل عليه الساق وهو البستان قالوا وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء قال الله تعالى “ قيل يا نوح اهبط بسلام منا “ وإنما كان في السفينة حتى استقرت على الجودى ونضب الماء عن وجه الأرض أمر أن اهبط اليها هو ومن كان مباركا عليه وقال “ اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم “ وقال تعالى “ وإن منها لما يهبط من خشية الله “ وهذا كثير في الأحاديث واللغة قالوا ولا مانع بل هو الواقع إن الجنة التي أسكنها الله آدم كانت مرتفعة على سائر بقاع الأرض ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور كما قال تعالى “ إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى “ أي لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعرى “ وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى “ أي لا يمس باطنك حر الظمأ ولا ظاهرك حر الشمس ولهذا قرن بين هذا وهذا لما بينهما من المقابلة فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة التي نهى عنها أهبط إلى أرض الشقاء والتعب والسعي والنصب والكدوالنكد والابتلاء والاختبار والامتحان واختلاف السكان دينا وأخلاقا وأعمالا وتعودا وإرادات كما قال تعالى “ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين “ ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال تعالى “ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا “ ومعلوم أنهم كانوا في الأرض لم يكونوا في السماء الاختلاف على شجرة ادم.
فصل
واختلف المفسرون في الشجرة التي نهى آدم وحواء
عنها فقيل هي الكرم روى عن ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبي وجعدة بن هبيرة ومحمد بن قيس والسدي ورواه عن ابن عباس وابن وابن مسعود وأناس من الأصحاب كذا قال السدي وتزعم يهود أنها الحنطة وهذا مروي عن ابن عباس والحسن البصري ووهب بن منبه وعطية الصوفي وأبي مالك ومحارب بن دثار وعبد الرحمن بن أبي ليلى قال وهب الحبة منها في الجنة ككلى البقر والخبز منه ألين من الزبد وأحلى من العسل وقال الثوري عن حصين عن أبي مالك هي النخلة وقال ابن جريج عن مجعد هي التينة وبه قال قتادة وابن جريج وقال أبو العالية كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي في الجنة حدث وقال أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن أبي الضحاك عن أبي هريرة سمعته يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها شجرة الخلد وكذا رواه أيضا عن غندر وحجاج عن شعبة رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة أيضا به قال غندر قلت لشعبة هي شجرة الخلد قال ليس فيها شك تفرد به احمد وهذا الخلاف قريب وقد أبهم الله تعالى ذكرها وتعيينها ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا كما في غيرها
تعليق
فصل
بقي مما ينبه عليه في هذه القصة على سبيل الطرد وإن يكن من شرط كتابنا قوله تعالى “ وعلم آدم الأسماء كلها “ قال ابن عباس هي هذه الأسماء التي يتعارف الناس بها إنسان ودابة وأرض وسهل وجبل وبحر وجمل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها وقال مجاهد علمه اسم الصحفة والفدر حتى الفسوة والفسية وقال مجاهد علمه اسمى كل دابة وكل طير وكل شيء وكذا قال سعيد بن جبير وقتادة وغير واحد وقال الربيع علمه أسماء الملائكة وقال عبد الرحمن بن زيد علمه أسماء ذريته والصحيح أنه علمه أسماء الدواب وأفعالها مكبرها ومصغرها كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما وذكر البخاري ههنا ما رواه هو ومسلم من طريق سعيد وهشام عن قتادة عن أنس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أب البشر خلقه الله بيد واسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فتعليمه أسماء كل شيء أحد التشريفات الأربع والثاني خلقه له بيده الكريمة والثالث نفخه فيه من روحه والرابع امر ملائكته له بالسجود وكذا قال له موسى لما تناظرا وكذا يقول له أهل المحشر والله أعلم
الباب الخامس والعشرون بعد المائة في بيان تعرض الشيطان لحواء
قال الإمام احمد حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن ابراهيم حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته عبد الحارث فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره فهكذا رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه في تفاسيرهم وأخرجه الحاكم في مستدركه كلهم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث به قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الترمذي حسن غريب لانعرفه إلا من حديث عمر بن ابراهيم ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه فهذه علة قادحة في الحديث أنه روى موقوفا على الصحابي وهذا أشبه والظاهر أن هذا من الإسرائيليات وهكذا روى موقوفا على ابن عباس والظاهر أنه متلقى عن كعب وذويه وقد فسر الحسن قوله تعالى “ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء “ بخلاف هذا فلو كان عنده عن سمرة مرفوعا لما عدل عنه إلى غيره والله أعلم وأيضا فالله تعالى إنما خلق آدم وحواء ليكونا أصل البشر وليبث منهما رجالا كثيرا ونساء فكيف كانت حواء لا يعيش لها ولد كما ذكر في هذا الحديث إن كان مظنونا والمظنون بل المقطوع به رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خطأ والصواب وقفه والله أعلم وقد ذكر الإمام أبو جعفر محمد بن جرير في تاريخه إن حواء ولدت لآدم أربعين ولدا في عشرين بطنا قاله ابن اسحاق والله أعلم وقيل مائة وعشرين بطنا في كل بطن ذكر وأنثى أو لهم قابيل واخته قليما وآخرهم عبد المغيث وأخته ام المغيث ثم انتشر الناس بعد ذلك وكثروا وامتدوا في الأرض ونموا وذكر أهل التاريخ أن آدم لم يمت حتى رأى من ذريته أولاده وأولاد أولاده أربعين ألف نسمة والله أعلم وقال تعالى “ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها “ إلى قوله “ فتعالى الله عما يشركون “ فهذا تنبيه بذكر آدم أولا ثم استطراد إلى الجنس وليس المراد بهذا ذكر آدم وحواء بل لما جرى ذكر الشخص استطرد إلى الجنس كما في قوله تعالى “ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين “ وقال تعالى “ ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين “ ومعلوم أن رجوم الشياطين ليست هي أعيان مصابيح السماء وإنما استطرد من شخصها إلى جنسها والله أعلم
الباب السادس والعشرون بعد المائة في تعرضه لنوح عليه السلام في السفينة
قال أبو بكر بن عبيد حدثنا أبو عبد الله محمد بن موسى حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير حدثنا سالم ابن عبد الله عن أبيه قال لما ركب نوح السفينة رأى فيها شيخا لم يعرفه قال له نوح ما أدخلك قال دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك قال نوح اخرج يا عدو الله فقال خمس أهلك بهن الناس وسأحدثك منهن بثلاث ولا أحدثك باثنتين فأوحى إلى نوح لا حاجة بك إلى الثلاث مره يحدثك بالثنتين فإن بهما أهلك الناس وقال هما الحسد وبالحسد لعنت وجعلت شيطانا رجيما والحرص أباح لآدم الجنة كلها فأصبت حاجتي منه بالحرص قال ولقي إبليس موسى فقال يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليما وأنا من خلق الله أذنيت فأنا أريد أن أتوب فاشفع لي عند ربك عز وجل أن يتوب على فدعا موسى ربه فقيل يا موسى قد قضيت حاجتك فلقي موسى إبليس فقال قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك فاستكبر وغضب وقال لم أسجد له حيا أأسجد له ميتا ثم قال إبليس يا موسى إن لك حقا بما شفعت لي ربك فاذكرني عند ثلاث ولأهلك إلا فيهن اذكرني حين تغضب فإن وحيي في قلبك وعيني في عينيك وأجرى منك مجرى الدم اذكرني حين تلقى الزحف فإني أتي ابن آدم حين يلقى الزحف فأذكره ولده وزوجته وأهله حتى يولي وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإنى رسولها إليك ورسولك إليها وقال ابن عبيد حدثني اسحاق بن اسماعيل حدثنا جرير عن الاعمش عن زياد بن الحصين عن أبي العالية قال لما رست السفينة سفينة نوح إذا هو بإبليس على كوثل السفينة فقال له نوح ويلك قد غرق اهل الأرض من أجلك قد أهلكتهم قال له إبليس فما أصنع قال له تتوب قال فسل ربك عز وجل هل لي من توبة فدعا نوح ربه فأوحى الله إليه أن توبته أن يسجد لقبر آدم فقال له نوح قد جعلت لك توبة قال وما هي قال أن تسجد لقبر آدم قال تركته حيا وأسجد له ميتا.
وحدثنا القاسم بن هاشم حدثنا أحمد بن يونس البزاز الحمصي حدثنا عبد الله بن وهب عن الليث قال بلغني لأن إبليس لقي نوحا عليه السلام فقال له إبليس يا نوح اتقي الحسد والشح فإني حسدت فخرجت من الجنة وشح آدم على شجرة واحدة منعها حتى خرج من الجنة وذكر بعضهم ويروى عن ابن عباس أن أول ما دخل السفينة من الطيور الدرة وآخر ما دخل من الحيوانات الحمار ودخل إبليس متعلقا بذنب الحمار والله تعالى أعلم
الباب السابع والعشرون بعد المائة في تعرضه لإبراهيم عليه السلام لما أراد ذبح ولده وفيه تعين الذبيح
قال عبد الرازق أخبرني معمر عن الزهري في قوله تعالى “ إني أرى في المنام أني أذبحك “ قال أخبرني القاسم بن محمد أنه اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة يحدث كعبا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل كعب يحدث أبا هريرة عن الكتب فقال أبو هريرة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فقال كعب أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال نعم قال فقال كعب فداء له أبي وأمي أفلا أخبرك عن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لما رأى ذبح ولده اسحاق - صلى الله عليه وسلم - قال الشيطان إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبدا قال فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل على سارة فقال أين يذهب إبراهيم بابنك قالت ذهب به لحاجته قال فإنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب به ليذبحه قالت ولم يذبحه قال يزعم أن ربه أمره بذلك قالت قد أحسن إن أطاع ربه فخرج الشيطان فقال لإسحاق أين يذهب بك أبوك قال لبعض حاجته قال إنه لم يذهب بك لحاجته ولكنه يذهب بك ليذبحك قال ولم يذبحني قال يزعم أن الله أمره بذلك قال فوالله إن كان الله أمره بذلك ليفعلن فتركه وذهب إلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فقال أين غدوت بابنك قال إلى حاجة قال فإنك لم تغد به لحاجة إنما غدوت به لتذبحه قال ولم أذبحه قال تزعم أن الله أمرك بذلك قال فوالله لئن أمرني بذلك لأفعلن فتركه ويئس أن يطاع فلما أسلما قال قتادة سلما الأمر لله وتله للجبين قال قتادة أضجعه للجبين وناداه “ أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم “ قال الزهري فأوحى الله إلى اسحاق أن ادع فلك دعوة مستجابة قال معمر قال الزهري في غير حديث كعب قال رب أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد من الأولين والآخرين لقيك لا يشرك بك شيئا أن تدخله الجنة
تعليق وبيان
فصل قول كعب لما رأى ابراهيم ذبح ولده اسحاق وقوله ذهب إلى سارة فقال أين يذهب إبراهيم بابنك يدل على أن الذبيح هو اسحاق وهو المروي عن عمر بن الخطاب والعباس بن عبد المطلب وعبد الله ابن مسعود وأنس بن مالك وابي هريرة واختلفت الرواية فيه عن علي ابن أبي طالب وقال به من التابعين غير كعب سعيد بن جبير ومجاهد والقاسم ابن بره ومسروق وقتادة وعكرمة ووهب بن منبه وعبيد بن عمير وعبد الرحمن بن زيد وأبو الهذيل والزهري والسدي وهو اختيار ابن احمد ابن حنبل وقال السهيلي لا شك هو اسحاق وقالت طائفة اخرى هو اسماعيل وهو المروي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن المسيب والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وروى أيضا عن عمر بن عبد العزيز وأبي عمرو بن العلاء وقد بسطت الأدلة من الجانبين والأجوبة في كتابي المرسوم بقلادة النحر ضمنته تفسير سورة الكوثر
الباب الثامن والعشرون بعد المائة في تعرضه لموسى عليه السلام
قال عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن عبد الاعلى الشيباني حدثنا فرج بن فضالة عن عبد الرحمن بن زياد بن انعم قال بينما موسى جالس في بعض مجالسه إذ أقبل إبليس وعليه برنس له يتلون فيه ألوانا فلما دنا منه خلع البرنس فوضعه ثم أتاه فقال له السلام عليك يا موسى قال له موسى من أنت قال إبليس قال فلا حياك الله ما جاء بك قال جئت لأسلم عليك لمنزلتك من الله ومكانتك منه قال ماذا الذي رأيت عليك قال به اختطف قلوب بني آدم قال فماذا إذا صنعه الإنسان استحوذت عليه قال إذا أعجبته نفسه واستكبر عمله ونسي ذنوبه وأحذرك ثلاثا لا تخل بامرأة لا تحل لك فإنه ما خلا رجل بامرأة لا تحل له إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أفتنه بها ولا تعاهد الله عهداإلا وفيت به فإنه ما عاهد الله احد عهدا إلا وكنت صاحبه حتى أحول بينه وبين الوفاء به ولا تخرجن صدقة إلا أمضيتها فإنه ما أخرج رجل صدقة فلم يمضها إلا كنت دون أصحابي حتى أحول بينه وبين الوفاء بها ثم ولى وهو يقول يا ويله ثلاثا علم موسى ما يحذر به بني ادم
حدثني القاسم بن هاشم عن إبراهيم بن الأشعث عن فضيل بن عياض قال حدثني بعض أشياخنا أن إبليس جاء إلى موسى وهو يناجي ربه عز وجل فقال له الملك ويلك ما ترجو منه وهو على ذلك الحال يناجي ربه قال أرجو منه ما رجوت من أبيه آدم وهو في الجنة وقد قدمنا في تعرض الشيطان لنوح عليه السلام قصة لإبليس مع موسى عليه السلام وأنه سأله الدعاء له بالتوبة وأن موسى دعا ربه فقيل يا موسى قد قضيت حاجتك وإن إبليس حذر موسى ثلاثا كما حذره هنا ثلاثا
الباب التاسع والعشرون بعد المائة في تعرضه لذي الكفل عليه السلام
قال ابن أبي الدنيا حدثنا اسحاق بن اسماعيل حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث في ذي الكفل قال قال نبي من الأنبياء لمن معه هل منكم من يكفل لي لا يغضب ويكون معي في درجتي ويكون بعدي في قومي فقال شاب من القوم أنا ثم أعاد عليه فقال الشاب انا فلما مات قام الشاب بعده في مقامه فأتاء إبليس ليغضبه فقال الرجل اذهب معه فجاء فأخبره أنه لم ير شيئا ثم أتاه فأرسل معه آخر فجاء فقال لم أر شيئا ثم أتاه فأخذه بيده فانفلت منه فسمى ذا الكفل لأنه كفل ان لا يغضب
الباب الموفي ثلاثين بعد المائة في تعرضه لأيوب عليه السلام
قال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا أبي حدثنا موسى ابن إسماعيل حدثنا حماد أنبأنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن الشيطان قال يا رب سلطني على أيوب قال الله تعالى قد سلطتك على ماله وولده ولم أسلطك على جسده فنزل وجمع جنوده فقال لهم قد سلطت على أيوب فأروني سلطانكم فصاروا نيرانا ثم صاروا ماء فبينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق فأرسل طائفة منهم إلى زرعه وطائفة إلى إبله وطائفة إلى بقره وطائفة إلى غنمه وقال إنه لا يعتصم منكم إلا بالصبر فأتوه بالمصائب بعضها على بعض فجاء صاحب الزرع فقال يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك نارا فأحرقته ثم جاء صاحب الإبل فقال له يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى إبلك عدوا فذهب بها ثم جاء صاحب الغنم فقال له يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على غنمك عدوا فذهب بها وتفرد هو لبنيه فجمعهم في بيت أكبرهم فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت الريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام في أذنيه قرطان قال يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم بطعامهم وشرابهم فقال أيوب له فأين كنت أنت قال كنت معهم قال وكيف انفلت قال انفلت قال ايوب أنت الشيطان ثم قال أيوب أنا اليوم كهيئتي يوم ولدتني أمي فقام فحلق رأسه ثم قام يصلي فرن إبليس رنة سمعها أهل السماء وأهل الأرض ثم قرح إلى السماء فقال أي رب إنه قد اعتصم فسلطني عليه فإني لا استطيعه إلا بسلطانك قال قد سلطتك على جسده ولم أسلطك على قلبه قال فنزل فنفخ تحت قدميه نفخة فرج ما بين قدميه إلى قرنه فصار قرحة واحدة وألقى على الرماد حتى بدا بطنه فكانت امرأته تسعى عليه حتى قالت له أما ترى يا أيوب قد والله نزل بي من الجهد والفافة ما إن بعت قروني برغيف فأطعمك أدع الله أن يشفيك قال ويحك كنا في النعماء سبعين عاما فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عاما فكان في البلاء سبع سنين وقال أبو بكر بن محمد حدثنا سوار بن عبد الله العنبري حدثنا معتمر بن سلمان عن ليث عن طلحة بن مصيرف قال قال إبليس ما أصبت من أيوب شيئا أفرح به إلا إني كنت إذا سمعت أنينه علمت أني قد أوجعته حدثنا فضيل ابن عبد الوهاب حدثنا أبو بكر بن عياش عن ابن وهب بن منبه عن أبيه قال قال إبليس لامرأة أيوب - صلى الله عليه وسلم - بم أصابكم ما أصابكم قالت بقدر الله تعالى قال فاتبعيني فأتبعته فأراها جميع ما ذهب منهم في واد فقال اسجدي لي وأرده عليكم فقالت إن لي زوجا أستأمره فاخبرت أيوب فقال أما آن لك أن تعلمي ذاك الشيطان لئن برئت لأضربنك مائة جلدة
الباب الحادي والثلاثون بعد المائة في تعرضة ليحيى بن زكريا عليهما السلام
قال عبد الله بن محمد بن عبيد أخبرنا أحمد بن إبراهيم العنبري حدثنا محمد بن يزيد بن حنيش عن وهب بن الورد قال بلغنا أن الخبيث إبليس تبدى ليحيى بن زكريا فقال إني أريد أن أنصحك قال كذبت أنت لا تنصحني ولكن أخبرني عن بني آدم قال هم عندنا على ثلاثة أصناف أما صنف منهم فهم أشد الأصناف علينا نقبل عليه حتى نفتنه ونستكن منه ثم يتفرغ للاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شيء أدركنا منه ثم نعود له فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن من ذلك في عناء وأما الصنف الآخر فهم في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا قد كفونا أنفسهم وأما الصنف الآخر فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء قال يحيى على ذلك هل قدرت مني على شيء قال لا إلا مرة واحدة فإنك قدمت طعاما تأكل فلم أزل أشهيه إليك حتى أكلت منه أكثر مما تريد فنمت تلك الليلة فلم تقم إلى الصلاة كما كنت تقوم إليها فقال له يحيى لا جرم لا شبعت من طعام أبدا قال له الحديث لاجرم لا نصحت نبيا بعدك وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني علي بن مسلم حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا ثابت البنائي قال بلغنا أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا فرأى عليه معاليق من كل شيء فقال يحيى يا إبليس ما هذه المعاليق التي أرى عليك قال هذه الشهوات التي أصبت بهن ابن آدم قال فهل لي فيها من شيء قال ربما شبعت فنقلناك عن الصلاة ونقلناك عن الذكر قال فهل غير ذلك قال لا وقال لله على أن لا أملأ بطني من طعام أبدا قال إبليس ولله على أن لا أنصح مسلما أبدا لعنة الله عليه وقال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد ابن يحيى المروزي حدثنا عبد الله بن خيبق قال لقي يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام إبليس في صورته فقال له يا إبليس أخبرني ما أحب الناس إليك وأبغض الناس إليك قال أحب الناس إلي المؤمن البخيل وأبغضهم إلي الفاسق السخي قال يحيى وكيف ذلك قال لأن البخيل قد كفاني بخله والفاسق السخي أتخوف أن يطلع الله عليه في سخاه فيقبله ثم ولى وهو يقول لولا أنك يحيى لم أخبرك والله أعلم
الباب الثاني والثلاثون بعد المائة في لقيه عيسى ابن مريم عليهما السلام
قال أبو بكر محمد حدثنا الفضل بن موسى البصري حدثنا إبراهيم بن بشار قال سمعت سفيان بن عيينة يقول لقي عيسى ابن مريم إبليس فقال له إبليس أنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تكلمت في المهد صبيا ولم يتكلم فيه أحد قبلك قال بل الربوبية والعظمة للإله الذي أنطقني ثم يميتني ثم يحييني قال فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تحيي الموتى قال بل الربوبية لله الذي يميتني ويميت من أحييت ثم يحييني قال والله إنك لإله في السماء وإله في الأرض قال فصكه جبريل عليه الصلاة السلام بجناحه صكة فما تناهى دون قرن الشمس ثم صكه أخرى فما تناهى دون العين الحامية ثم صكه صكة فأدخله بحار السابعة فأساحه فيها حتى وجد طعم الحمأة فخرج منها وهو يقول ما لقي أحد من أحد ما لقيت منك يا ابن مريم
حدثنا اسحاق بن اسماعيل وعمرو بن محمد قالا حدثنا سفيان عن عمرو ابن دينار عن طاوس قال لقي الشيطان عيسى ابن مريم فقال يا ابن مريم إن كنت صادقا فارق على هذه الشاهقة فألق نفسك منها فقال ويلك ألم يقل الله يا ابن آدم لا تختبرني بهلاكك فإني أفعل ما أشاء
حدثني شريح بن يونس حدثنا علي بن ثابت عن خطاب بن القاسم عن أبي عثمان قال كان عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي على رأس جبل فأتاه إبليس فقال أنت الذي تزعم أن كل شيء بقضاء وقدر قال نعم قال ألق نفسك من الجبل وقل قدر علي قال يا لعين الله يختبر العباد ليس للعباد أن يختبروا الله عز وجل حدثني الحسن بن عبد العزيز الجروي حدثنا ابن مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام نظر إلى إبليس فقال هذا ركون الدنيا إليها خرج وإياها سأل لا أشركه في شيء منها ولا حجر أضعه تحت رأسي ولا أكون فيها ضاحكا حتى أخرج منها حدثنا الحسن حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن أبي سلمة عن سعيد بن عبد العزيز عن ابن حليس قال قال عيسى عليه الصلاة والسلام إن الشيطان مع الدنيا ومكره مع المال وتزيينه عند الهوى واستمكانه عند الشهوات ورواه أيضا عن محمد بن إدريس عن حيوة بن شريح عن بقية بن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز عن ابن حليس من قوله وتزيينه عند اللهو
الباب الثالث والثلاثون بعد المائة في تعرضه للنبي - صلى الله عليه وسلم -
ثبت في صحيح مسلم عن أبي الدرداء قال قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فسمعناه يقول أعوذ بالله منك ثم قال ألعنك بلعنة الله وبسط يده ثلاثا كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة قلنا يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك قال إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت أعوذ بالله ثلاث مرات ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أن آخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا فلعب به ولدان أهل المدينة وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن الشيطان عرض لي فشد علي ليقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان “ وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي “ فرده الله خاسئا وقد روى النسائي على شرط البخ[/size